أنت هنا

أنت هنا

  • يلقي الأمين العام للمركز العالمي للتعددية جون ماكني كلمة خلال فعاليات حفل عشاء بمناسبة تلقيه ميدالية رابطة السياسة الخارجية نيابةً عن سمو الآغا خان.
    GCP / AKDN
ميدالية رابطة السياسة الخارجية لسمو الآغا خان

معالي الوزير،

أصحاب السعادة،

شكراً لك أليكس لوري على هذه المقدمة الغنية.

إنه لأمر رائع أن أعود برفقة سو إلى نيويورك ولأتواجد مع العديد من الأصدقاء.

وإنه لشرفٌ عظيمٌ أن أحصل على هذه الميدالية المرموقة نيابةً عن سمو الآغا خان والمركز العالمي للتعددية. طلب مني سموّه أن أنقل خالص تقديره لمجلس إدارة رابطة السياسة الخارجية ولرئيسها نويل لاتيف. لقد كان سموّه من أشد المعجبين برابطة السياسة الخارجية منذ أن كان طالباً جامعياً في جامعة هارفارد.

قد لا يعرف العديد منكم الكثير عن سمو الآغا خان. إنه الإمام والزعيم الروحي لمجتمع المسلمين الشيعة الإسماعيليين، وهو يسعى لفعل الخير على المستوى العالمي، فقد كرّس حياته لجعل العالم مكاناً أفضل للجميع، بغض النظر عن العقيدة أو العرق.

قام خلال العقد الماضي بتأسيس مؤسستين رئيسيتين جديدتين في كندا: المركز العالمي للتعددية في أوتاوا بالشراكة مع حكومة كندا، ومتحف الآغا خان في تورنتو، وهو متحف جديد مذهل يعرض مجموعة من مقتنيات عائلته من الفن الإسلامي.

يسعدني أن قادة الجالية الإسماعيلية في الولايات المتحدة موجودون هنا في حفل العشاء الرائع.

يشرفني أن أتواجد الليلة برفقة الدكتور ديفيد سكورتون، سكرتير مؤسسة سميثسونيان، الذي حقق أشياء عظيمة كرئيس لجامعة كورنيل والآن في مؤسسة سميثسونيان. إنه لأمرٌ ممتعٌ ومناسبٌ للغاية أن يحظى المركز العالمي للتعددية على الاعتراف والتقدير جنباً إلى جنب مع مؤسسة سميثسونيان. تتقاطع مهماتنا، حيث تهدف مؤسسة سميثسونيان إلى تقديم وتبادل المعلومات المتعلقة بغنى التاريخ والثقافة الأمريكية، في حين يسعى المركز العالمي للتعددية إلى احترام التنوع والاحتفاء به في الولايات المتحدة وكندا وفي جميع أنحاء العالم.

وكما قال سموّه:

"التنوع ليس سبباً لبناء الجدران، بل سبب لفتح النوافذ، وهو ليس عبئاً، بل نعمة. بالطبع، يجب أن ندرك في النهاية أن التعايش مع التنوّع عمليةٌ صعبةٌ. ونحن مخطئون إذا اعتقدنا بأن الأمر سيكون سهلاً، فالعمل في مجال التعددية عمل مستمر على الدوام".

تعلمنا الدراسة العلمية للسلوك أنه يتم التوصل لأفضل الحلول عندما يجتمع الأشخاص من ذوي الخبرات ووجهات النظر المختلفة لحل مشكلة ما، وهذا ينطبق أيضاً على المجتمعات. وكما أوضح توماس فريدمان بشكل مقنعٍ في كتابه الأخير بعنوان: "شكراً لقدومك متأخراً"، الذي صدر في القرن الحادي والعشرين، حيث أشار إلى أن البلدان الأكثر نجاحاً هي تلك التي تقدّر التنوّع.

تتمثل أطروحتنا في أن كافة المجتمعات في العالم المعاصر متنوعة بطريقة ما، سواء أكان ذلك من الناحية الاجتماعية أو اللغوية أو العرقية أو القبلية أو الدينية. وينطبق هذا على جميع القارات: إفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا، وأيضاً على البلدان النامية والقوى الناشئة والدول الصناعية على حد سواء.

إذا تم استيعاب التنوع وتقييمه، فهو سيؤدي إلى تحقيق المزيد من الازدهار والسلام، والعكس صحيح أيضاً: إذا تم النظر للتنوع بوصفه عنصر ضعف أو انقسام، فهو سيؤدي لحدوث الخلافات وإلى نتائج اجتماعية سلبية: سلامٌ أقل، وتنميةٌ أقل، ورخاءٌ أقل. وفي أسوأ الأحوال، حرب أهلية أو حتى إبادة جماعية.

حسناً، ماذا أعني بـ "التعددية"؟

التنوع في المجتمع حقيقةٌ، لكن التعددية خيارٌ متعمّدٌ من قبل الحكومات، ومن قبل منظمات المجتمع المدني مثل رابطة السياسة الخارجية، ومن قبل المجتمعات والأفراد لاستيعاب التنّوع في المجتمع وتقديره.

يشكّل حالياً أعضاء رابطة السياسة الخارجية مجموعةً معقّدةً للغاية، وإذا طلبت منكم تسمية التحديات العالمية المشتركة في القرن الحادي والعشرين، فمن المحتمل أن تضم قائمتكم التغيّرات الحاصلة في المناخ والانتشار النووي والتخفيف من حدة الفقر وحقوق الإنسان والديمقراطية، فضلاً عن ضرورة إنشاء نظام مالي عالمي سليم. وإلى هذه المجالات، سيضيف سموّه التحدي المتمثل في العيش معاً بشكل منتج رغم الاختلاف.

لماذا ثمة حاجة ماسة للتعددية في عالمنا اليوم؟ ولأكون صريحاً، فإن الاتجاهات مقلقة للغاية. يقول ستيفن تووب، الذي سيتولى قريباً رئاسة جامعة كامبريدج، إننا ندخل "عصراً جديداً يشوبه القلق"، إضافةً إلى أن موجة من الشعبوية القومية والمواطنة والتعصب وكراهية الأجانب تجتاح أوروبا، وهذا قد يقلب السياسة الأوروبية رأساً على عقب. يُظهر تحليل دقيق أجرته مجلة "إيكونوميست" حول التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنه ثمة خوفٌ كبيرٌ من المهاجرين واللاجئين أكثر من الاضطرابات الاقتصادية التي قد تحدث. حتى الولايات المتحدة، التي تعتبر منارةً عظيمةً للأمل والفرص للعالم بأسره، غير محصّنة، وكذلك بلدي كندا. الخوف من تسارع وتيرة التغيير، فضلاً عن الخوف ممن هم مختلفون، والخوف من المستقبل هو ما يعزز من وتيرة تلك الموجة.

ونظراً لأن تلك التطورات تعكّر صفو المجتمعات الغربية، فإن تحديات التعايش مع التنوع في العالم النامي متوطّنة، وغالباً ما تسبب صراعاً عنيفاً يتعلق بالحصول على الأرض والمياه، أو على الفرص الاقتصادية أو تقاسم السلطة السياسية أو الحق في ممارسة الفرد لعقيدته أو الحفاظ على لغة الفرد وثقافته.

ويُعد هذا صحيحاً في إفريقيا وآسيا وكذلك في الأمريكتين، ولنأخذ مثلاً ما جرى في العراق وسورية، حيث لعبت جزئياً الاختلافات الطائفية والعرقية دوراً في المأساة. وإذا عدنا بتفكيرنا إلى ما جرى في يوغوسلافيا السابقة وسريلانكا ورواندا، ونظرنا في الأعماق الرهيبة التي يمكن أن ينحدر إليها الصراع العرقي.

وبالعودة الآن إلى كندا، فإنها ليست مثالية، لكن سمو الآغا خان قد يجادل بأنها الدولة الأكثر نجاحاً فيما يتعلق باحترام تنوعها العرقي والثقافي واللغوي الواسع وفي جني ثمار هذا التنوع.

من جانبه، قال رئيس الوزراء جاستن ترودو:

"... لا يُشكّل تنوعنا تحدّياً يجب التغلب عليه، أو صعوبةً يجب تحمّلها، بل هو مصدرٌ هائلٌ للقوة. ويفهم الكنديون أن التنوع مصدر قوتنا، ونحن نعلم أن كندا قد حققت تقدماً من الناحية الثقافية والسياسية والاقتصادية نظراً لاهتمامنا بهذا التنوع..."

يُعد المركز العالمي للتعددية شراكةً فريدةً بين القطاعين العام والخاص، بين المُحب لفعل الخير على المستوى العالمي، سمو الآغا خان، وبين الحكومة الكندية.

تتمثل مهمة المركز كمنظمة معرفية عملية في تعزيز فهم مبادئ وممارسات التعددية في كافة أنحاء العالم، فضلاً عن مشاركة تلك المعرفة وتلك الخبرات مع الآخرين من خلال البحث والتعليم والحوار.

وللإشارة إلى إحدى مبادرات المركز الجديدة والمثيرة، سنقوم في شهر نوفمبر بمنح جوائز التعددية العالمية الأولى التي ستحتفل بـ "التعددية على أرض الواقع" حول العالم.

وفي 16 مايو، سيقوم سمو الآغا خان والحاكم العام لكندا رسمياً بافتتاح مقر المركز العالمي للتعددية، وهو مبنى تراثي رئيسي في أوتاوا، عاصمة كندا.

أدعوكم جميعاً للانضمام إلينا في حضور حفل الافتتاح، والمشاركة من خلال موقعنا.

سيداتي وسادتي، في الختام، تحتاج التعددية لأبطال وداعمين، فهي تتعرض للهجوم. ومن خلال تقديم هذه الميدالية المرموقة لسموّه، فإن رابطة السياسة الخارجية تمنح تقديراً مهماً واعترافاً بالملف الشخصي للقضية، ونحن ممتنون بصدق لكل ما قدمه سمو الآغا خان.

وآمل أن يشكّل حفل اليوم بداية صداقة جميلة.

وشكراً جزيلاً لكم.