سمو الآغا خان، شكراً جزيلاً لك
الأميرة زهراء آغا خان
صديقي العزيز، نائب رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية باولو بورتاس
رئيس مجلس الإدارة هايل دباس
رئيس الجامعة فيروز رسول، شكراً لمقدمتك
صديقي العزيز، السفير ناظم أحمد، الصديق والرجل العظيم على الدوام منذ وقت طويل
أصحاب السعادة الكرام في جامعة الآغا خان
أصدقائي الأعزاء
شكراً جزيلاً لدعوتي الليلة، واسمحوا لي أن أخبركم بمدى إعجابي بمجتمعكم، وبسمو الآغا خان وبقيادتكم.
إنني أتذكر المحادثات التي جرت عندما كنت في الحكومة مع ناظم أحمد ومع الكثير من مجتمعكم، ويخطر على بالي حالياً سببين، قبل قدومي إلى هنا، لاحترامي لقيادتكم كثيراً، الأول باعتبارك زعيماً يتجاوز الحدود الوطنية، كنت دائماً مُنشئاً للجسور - أعني حرفياً، لقد قمت ببناء الجسور - لكنك كنت حقاً واحداً من هؤلاء الرجال الذين بنوا الجسور لربطنا جميعاً، الأمر الذي نحتاجه إليه اليوم. وكزعيم ديني، أعتقد أن لديك أيضاً أمراً يلهمني دوماً، وهو هذا الرابط الذي تقيمه دائماً بين الروحانية ومشاكل اليوم. الروحانية وحل المشاكل التي لدينا بدءاً من تغير المناخ وصولاً إلى عدم المساواة، وهذا ملهم للغاية، ولهذا السبب فكرتُ في "العلم" باعتباره أداة رئيسية لحل تلك المشاكل، ولجعله – الحل – يصبح واقعاً على الأرض.
إنك تحب العلوم، حتى أنني سمعت أنه تم قبول سموك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مرحلة ما من حياتك، ولكنك قررتَ الذهاب إلى جامعة هارفارد، وهو ما قمتُ به أيضاً، نفس الخطأ!
في هذه الليلة، أردت أن أتحدث عما طلبته مني، وهو ما يمثل نوعاً ما الرابط بين العلم والتعليم، إضافةً إلى تأثير السياسات التي لدينا - على المستوى الأوروبي - على العلم، وتأثيرها على التعليم.
في أحد الأيام، تحدثت في إحدى خطبك عن فكرتك حول التعليم وقلت إن "التعليم يتعلق بتجهيز كل جيل للمشاركة بفعالية"، وفق ما وصفته "بالمحادثة الرائعة لعصرنا".
وبالتالي فإن السؤال هو، ما هي تلك المحادثة الرائعة لعصرنا؟ إن المحادثة الرائعة لعصرنا هي في الواقع بسيطة للغاية، وتتمثل في كيفية مواجهة هذه المشاكل التي لدينا في العالم، والتي هي عالمية تتجاوز المستوى الوطني، في عالم يزداد تجزيئاً أكثر فأكثر؟
إن نقاش اليوم، الذي يبدو أنه يتناول موضوع التعددية أو مناقشة السياسة، لا يتعلق بالسياسة، بل يتعلق بالتعليم، التعليم في عالم تغير كثيراً، ولكن الأنظمة التعليمية لم تتغير.
وأنتم تنظرون إلى العالم الذي ولدنا فيه، عالم كان يتسم بالبساطة على نحو أساسي، فكل شيء كان يتعلق بالجغرافيا، والتخصصات، والحدود. بينما يدور العالم حالياً حول التقاطعات، وإنني أعتقد أن هذا هو المكان الذي يجب أن يكون فيه التعليم، وهذا هو المكان الذي لم نطرح فيه حقاً هذه المسألة، ولم نقم بإجراء مناقشة حول هذه التقاطعات.
أعتقد أنني سأخبركم عن ماهية تلك التقاطعات، حسب رأيي، وأهميتها.
أولاً، أعتقد أننا نمتلك هذه التقاطعات بين التخصصات والجغرافيا.
يعتبر العلم مثالاً رائعاً عن ذلك، لأن العلم كان متقدماً على المنعطفات. إذا نظرتم إلى الاختراقات الجديدة، فهي كلها عند التقاطعات، عند تقاطع التخصصات، وعند تقاطع البلدان، أو الأديان.
في الأسبوع الماضي، قضيت أحد أفضل أيامي في المفوضية الأوروبية، حيث أُتيحت لنا فرصة مدهشة لإعلان الصورة الأولى للثقب الأسود. تخيلوا، كنت هناك مع العلماء الذين أعلنوا عن الصورة الأولى لشيء لم نتمكن مسبقاً من الحصول على صورة له: ثقب أسود. وفكرت بذلك في ذاك اليوم، فقد كان لدينا 6 مؤتمرات صحفية في جميع أنحاء العالم في نفس الوقت. كنا في بروكسل، وكان فرانسيس كوردوبا في واشنطن، وكان هناك في الفريق أكثر من مئتي عالم، وكان هؤلاء العلماء من 40 جنسية مختلفة، من مختلف البلدان والأديان، وجميعهم يعملون، ولكنهم يعملون جميعاً من أجل ماذا؟ لإثبات ما قام بتصوره أحد الرجال قبل 100 عامٍ. آينشتاين، وحده، عام 1915، كتب أربعة أبحاث ساهمت في تغيير العالم.
لذلك إذا كنتم قد تغيرتم بالفعل وتريدون تغيير التعليم، فعلينا فعل ذلك، وإننا بحاجة إلى تغيير الطريقة التي ندرّس بها. إننا بحاجة إلى تغيير الطريقة التي ندرّس بها لأنه يتعين علينا أن نعلّم بشكل أفضل جوهر التخصصات حتى يكون لدينا أشخاص يشعرون بالراحة للتنقل عند التقاطعات. في كل مرة أذهب فيها لحضور فعاليات جائزة نوبل، أرى ذلك دائماً. هذا العام مرة أخرى، كان لدينا فرانسيس أرنولد، وهي المرأة الخامسة التي تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء. بدأت بدراسة الأدب الروسي، ثم درست الهندسة الميكانيكية، وفي سن الثلاثين، كانت مولعة بالكيمياء فقامت بدراستها، وانتهى بها الأمر عبر ربط علم الأحياء بالكيمياء، فهي تستخدم التحوّل أساساً لتحويل النباتات إلى وقود للطائرات. أعتقد أن هذه قصة مذهلة، توضح كيف أننا لا نتعامل في معظم الدول الأوروبية مع الحاضر، وعلى ما أعتقد هذا ما يحصل في أنحاء مختلفة من العالم فيما يتعلق بتلك التقاطعات على الأقل. إننا لا نعرف حتى الآن كيفية التعامل معها، فقد كانت لدينا أول تجربة في فنلندا حول تدريس الطلاب الصغار في المدارس الثانوية، ليس فقط التخصصات ولكن أيضاً النظر إلى الأحداث من زوايا مختلفة، مثل الحرب العالمية الثانية، كيف تنظر إليها عبر علم الإجتماع، أو عبر علم الإنسان، أو الرياضيات؟ لذا عليكم حقاً السير في هذا الاتجاه.
التقاطع الثاني الذي أردت أن أخبركم به اليوم هو هذا التقاطع الذي أسميه الحلم والتفاصيل. عليكم أن تحلموا ولكن عليكم أن تركزوا بالتفاصيل. لقد توصلت حقاً لهذه الفكرة من أحد أصدقائي الأعزاء وهو فخامة جيم سنابي، الذي ألف كتاباً حول هذا التقاطع الأخير، لأنه إذا أردتم أن تكونوا متميّزين في هذه التقاطعات، يتوجب عليكم أن تكونوا متميّزين فيما يتعلق بجوهر التخصص. وللقيام بذلك، عليكم أن تركزوا حقاً، وإذا كنتم ترغبون بالاستمتاع بلحظات إبداعية، فعليكم أن تركّزوا يومياً.
لقد تذكرت قصة أود أن أخبركم بها لأنني أحبها كثيراً وهي إحدى كتبي المفضلة. يكتب والتر آيزاكسون قصة شيقة للغاية جرت مع ستيف جوبز، حيث يقول عندما كان ستيف جوبز صغيراً للغاية، طلب منه والده أن يدهن ويصلح السياج المحيط بالمنزل. ذهب ستيف جوبز إلى هناك وقام بالمهمة، لكن عندما جاء والده، نظر وقال له لكن هناك جزء من السياج لم تقم بإصلاحه ولم تدهنه. فأجابه جوبز "لا, لأن هذا الجزء مخفي وراء تلك الشجرة، ولهذا لن يراه أحد أبداً"، فرد عليه والده قائلاً: "نعم، لن يراه أحد، ولكنك تعلم به". لكن بعد عدة سنوات، عندما كان جوبز على وشك إطلاق جهاز "ماكنتوش"، تذكر أن الجهاز عبارة عن صندوق كبير، لذلك ذهب إلى هناك ورأى أن الألواح الرقيقة والأسلاك غير مرتبة، فنظر إلى المهندسين وقال "لا، لا يمكنكم تجاهل ذلك، ثمة فوضى كبيرة". فأجاب المهندسون،" انظر، لسنا بحاجة إلى إصلاح الأمر، لأن لا أحد سيرى ذلك". فقال: "ولكنكم تعلمون بهذا". لذلك أوقف الشحنة لمدة 6 أسابيع، ما جعله ينفق الكثير من المال، ولكن منذ تلك اللحظة التزم الجميع بالنظافة والاهتمام بالتفاصيل داخل ذاك الصندوق.
النقطة المهمة هي أنه إذا لم تركز على التفاصيل، فلن يكون هناك إبداع. يقوم الكتّاب يومياً بالكتابة، وهم يكتبون - حتى لو كانوا لا يرغبون بالكتابة - ألف أو ألفي كلمة كل صباح. وأعتقد أننا فقدنا ذلك أيضاً في التعليم لأن الحلم هو الإلهام، ولكن التفاصيل هي حقاً ما عليكم الاهتمام به وفعله يومياً، لتحقيق الحلم. إننا نعيش في عالم التكنولوجيا حيث تخبرون أطفالكم أن كل شيء سهل للغاية وأنتم تنظرون إلى الشاشة ولكن هل أعرتم انتباهاً للتفاصيل لتكون لديكم تفاصيل صحيحة.
التقاطع الثالث الذي أردت أن أخبركم به، والذي كان يشكل شغفاً لي خلال السنوات الخمس الماضية، يتعلق بتقاطع العالمين المادي والرقمي، لأنني أعتقد أنه يوجد لدينا اليوم مهندسون جيدون للغاية في الجانب المادي للهندسة، ثم لدينا أشخاص جيدون في مجال تكنولوجيا المعلومات، يتمتعون بامتياز في المجال الرقمي، لكن لا يوجد أحد جيد في التقاطع بين الاختصاصين.
كانت إحدى القصص التي ألهمتني خلال تلك السنوات الخمس، حدثت قبل عامين حينما قابلت سيدة عظيمة، وأستاذة رائعة في جامعة الآغا خان تدعى مارلين تيمرمان، وهي امرأة رائعة. كنا نقدم هذه الجائزة المتعلقة بالولادة والأمومة التي نقوم بها سنوياً في اللجنة، وكانت هناك قصة حدثت مع مارلين وأردت أن أخبركم بها. كانت تدور حول شاب يدعى جوشوا أوكيلو، وُلِد في أوغندا وقد شكلت جامعتكم إلهاماً له أيضاً.
كان جوشوا طالباً في الطب وسرعان ما أدرك حقيقة مروعة: في كل دقيقة تموت إحدى الأمهات بسبب مضاعفات مرتبطة بالحمل أو الولادة و99% من اللواتي يمتن كنّ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لذلك قال لنفسه يتوجب عليّ فعل شيء حيال ذلك. كان في كلية الطب وقرر مساعدة القابلات. ذهب إلى المناطق الريفية وهناك تمكّن من معرفة "ما يشكل الأداة الرئيسية للقابلة في الريف الإفريقي؟" وهي تسمى "قرن بينارد"، وهي وسيلة تعود للقرن التاسع عشر. تخيلوا مخروطاً مجوفاً حيث يتم وضعه على بطن المرأة الحامل لمحاولة الاستماع إلى حركات الطفل. لكن، كما تعلمون، هذا يتطلب الكثير من التدريب، ولكن تمكنت القابلات الجيدات من النجاح في ذلك، حيث قمن بذلك على نحو جيد. لكنك تحتاج إلى سنوات من الخبرة، أعني أنه إذا حاولت الاستماع فقط، فإنك لا تسمع أي شيء.
لذلك قال إنه سيتوقف عن الدراسة في كلية الطب، وفعل ذلك حقاً، وكانت فكرته بسيطة حول قرن بينارد، وهي عبارة عن توصيله بالهاتف الذكي، وبالقيام بذلك، حصل بشكل أساسي على عمال غير مدربين لوصل قرن بينارد بالهاتف الذكي، وعبره تنتقل البيانات إلى السحابة (الشبكة)، ثم إلى أي طبيب في أي مستشفى جيد في عاصمة البلاد. وأعتقد أن هذه قصة مدهشة لأنها تظهر أن الشاب شعر أنه لم يتلقى التدريب كطبيب على أمور يمكن أن تساعد الناس، وهذا هو التقاطع الرقمي. أعلم أن جامعتكم استلهمت من ذلك لأنني قرأت أنكم تقومون بتطوير الموجات فوق الصوتية المحمولة، وإنه أمر يهمني أن أتحدث عنه في المستقبل.
هذا المثال الرائع لجوشوا، أعتقد أنه مثال يجب أن تفكروا فيه كجامعة، على ماذا تريدون أن تدربوا الناس؟ هل هي مهنة؟ حسناً ربما لن تكون موجودة بعد 20 عاماً؟
كنت في كارنيجي ميلون وكان صديقي سوبرا سوريش يقول لي: "إننا نقوم بتغيير كل شيء، إذا كنت تحب الموسيقى والفيزياء، تعال إلينا، لنقدم لك شهادة في الموسيقى والفيزياء، وإذا كنت تحب تكنولوجيا المعلومات والطب، فإننا سنقدم لك ذات الشيء أيضاً".
إذاً، هذه الفكرة بأن الجامعات تُعدّك لمهنة: نعم، لكن يجب أن تتمتع بحرية بناء هذا أيضاً في تلك التقاطعات.
وهذا ما أعتقد به، سمو الآغا خان، سيداتي وسادتي،
المحادثة الرائعة في عصرنا تجري هنا بالضبط. كيف، في عالم معولم ومع كل هذا، يمكننا أن نحافظ على إنسانيتنا بطريقة أو بأخرى؟ إنكم تطرحون أسئلة حول ما سيصبح أطفالكم، وماذا ستقومون بتدريسهم وتعليمهم، لكن السؤال الكبير هو كيف تخلقون هدفاً لهم؟
إنني أعتقد أنه داخل الإجابة على سؤال الهدف تكمن بالضبط هذه التقاطعات، لأن هذه التقاطعات هي التي تجعلنا بشراً. إن الآلات سوف تتكفل بالباقي، حيث يمكن للآلات احتواء جميع الأرقام ويمكننا رقمنة كل شيء، لكننا لن نكون قادرين على الرقمنة على الأقل إلى درجة التفرد في المستقبل، وفي حياتنا، وفي هذه التقاطعات. وأعتقد أنه إذا فكرنا في هذه التقاطعات كوسيلة لإيصالنا نحو المستقبل كبشر متميّزين يكملون مهمة الآلات وليس كشيء ستحل مكانه الآلات، عندئذ ستكون لديك الرؤية.
تلك هي الرؤية التي طرحناها في أوروبا حول الذكاء الاصطناعي للبشرية، حيث أن الذكاء الاصطناعي يساعدك على أن تكون أكثر إنسانية وشخصاً أفضل. وأعتقد أن التحدي يكمن في ذلك في المستقبل.
أود أن أختتم كلامي بما قلته سموك في إحدى خطاباتك، وهي أن إلهامك كشخص، كرجل، وكزعيم ديني يكمن كله في التعليم. كنت أقرأ شيئاً قلتَه وهو ما أفكر فيه. قلتَ: "إن العجز في المعرفة يتمثل في العديد من المجالات التي لا يتم تقديمها في التعليم [...]. لأن ما تم توريثه هو مناهج الماضي، وانعكاسات الماضي، ومواقف الماضي، بدلاً من التطلع نحو المستقبل، والسؤال عما تحتاج الأجيال القادمة إلى معرفته".
سمو الآغا خان، شكراً جزيلاً للإلهام الذي قدمته، وأشكركم جميعاً هذه الليلة.