أنت هنا

أنت هنا

  • قامت مؤسسة الآغا خان وشركائها في أفغانستان وبدعمٍ من الوكالة البريطانية للتنمية الدولية بالتركيز على برامج التعليم لدعم التعلّم عن بُعد طول فترة الإغلاق، إضافةً إلى تقديم معدات الحماية الشخصية وغيرها من معدات النظافة عند إعادة افتتاح المدارس.
    AKDN
مات ريد: التعاون والتعاطف خلال جائحة كوفيد-19، كيف يجب على المجتمع المدني تمهيد الطريق للتعافي والخروج من الجائحة

بقلم مات ريد، المدير العالمي للشراكات المؤسسية في مؤسسة الآغا خان والرئيس التنفيذي لمؤسسة الآغا خان في المملكة المتحدة.

ألقيت كلمةً في الشهر الماضي خلال فعالية إطلاق جائزة التماسك الاجتماعي الخاصة ببنك التنمية التابع لمجلس أوروبا، والتي تُمنح للمنظمات والمشاريع المتميزة التي تسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي في أوروبا.

لا يمكن أن يكون الموضوع أكثر أهميةً، كما أكدت أحداث عام 2020 بالنسبة لنا جميعاً، بدءاً من ذروة الاستقطاب على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الغضب الذي من الممكن تفهُّمه إثر قيام قوات الشرطة بممارسة العنف والعنصرية المؤسسية، وصولاً لصعود نظريات المؤامرة والعنف وكراهية الأجانب التي بلغت ذروتها خلال الهجمات على مبنى الكابيتول الأمريكي.

تشير كافة تلك الأحداث إلى المجتمعات التي تكافح لتحقيق التماسك، ولقبول وتبنّي الاختلافات بوصفها نقطة قوة وليست نقطة ضعف، أو ما إلى ذلك، إذا تابعنا عناوين الأخبار والهستيريا التي عمّت الكثير من الحسابات على موقع تويتر.

هذه الرؤية رغم قسوتها وأنها حقيقية، إلا أنها كانت بعيدة كل البعد عن القصة بأكملها. عندما أنظر حول العالم وأُجري تقييماً لما حدث خلال العام الماضي، أرى العديد من الأمثلة غير العادية لأشخاص اجتمعوا معاً خلال هذه الجائحة لتقديم المساعدة لبعضهم البعض باعتبارهم بشر، وهذه الأمثلة، التي كان محورها التضامن والسعي لتقديم الحلول تكذّب النظرة المتشائمة للسياسة المستقطبة غير الواقعية.

akf-india-yuva-junction.jpg

بدأت المؤسسات الاجتماعية النسائية في الهند مباشرةً وبدعمٍ من برنامج الآغا خان لدعم المناطق الريفية وشركائه في خياطة الكمامات، والتي كان يتم توزيعها في كثير من الأحيان مجاناً من أجل تأمين الحماية لأفراد المجتمعات.
Copyright: 
AKDN

ورغم التهديدات الحقيقية نتيجةً لقومية اللقاحات التي توصلت إليها بعض الدول، فضلاً عن الحالات التي أعطت فيها الدول الأولوية للحفاظ على نفسها بدلاً من السعي نحو التعاون العالمي، إلا أنه خلال العام الماضي كان ثمة العديد من حالات التعاون والتنسيق المذهلين، فضلاً عن أمثلة حول نكران الذات على المستوى الدولي. ومع دخولنا العام الثاني من الجائحة، من الأفضل أن نتذكر هؤلاء ونستمد الإلهام منهم.

أدهشني ما حدث في لندن هذا العام فيما يتعلق بعدد الأشخاص الذين تواصلوا مع جيران لهم بالكاد يعرفونهم من كبار السن والعجزة وممن يسكنون في الملاجئ وأماكن السكن الفقيرة. وإحدى المفارقات المأساوية للجائحة هي أن غرائز التضامن التي نحتفل بها عادةً هي خطيرة على أرض الواقع، إلا أن رغبة الكثيرين لمساعدة جيرانهم بشكل آمن تجاوزت القيود التي فرضتها الجائحة في عام 2020.

هذا ورأينا في المملكة المتحدة الملايين من الناس يصفّقون لمقدمي الرعاية، إضافةً لتعطّش الآلاف منهم للتواصل وتقديم المساهمات، ما أدى وبسرعةٍ كبيرةٍ لانتشار المخططات التطوعية من قبل الكثير من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد، بدءاً من تلاميذ المدارس الذين حافظوا على لياقتهم مع الدروس الافتراضية التي قدمها مدرّس التربية البدنية جو ويكس، وصولاً للمطاعم وموظفي الضيافة الذين عملوا على إقامة مطابخ تطوعية لتقديم وجبات الطعام للعاملين في مجال الخدمات الصحية الوطنية أو غيرهم من الأشخاص المعرضين للخطر. وفي منطقتنا، ظهرت منشورات بسرعة في كافة صناديق البريد تقدم المساعدة في مجال التسّوق وتوصيل الطلبات.

كما قامت زوجتي بالتواصل مع جارتنا البالغة من العمر 92 عاماً، والتي لم نتحدث معها كثيراً، وعرضت عليها المساعدة في شراء مستلزمات البقالة. وقد أصبحنا أصدقاء بعد مرور حوالي العام على التواصل معها في نهاية كل أسبوع، والاستمتاع بشرب المشروبات كلٌ من حديقة منزله للحفاظ على التباعد الاجتماعي خلال فترة الإغلاق في الصيف. وأتساءل أنه لولا الجائحة لما تواصلنا كثيراً وتعرّفنا على جيراننا. ورغم حدوث ذلك متأخراً، إلا أنه ساهم بجعل الروابط في منطقتنا أقوى، وهو يشير لشيء أساسي متأصل فينا على الرغم من النسيج الاجتماعي المتآكل الذي نشهده أيضاً.

شعرت في العام الماضي ومن خلال ما أقوم به في مؤسسة الآغا خان بتقديرٍ شديدٍ للمساهمات الحيوية التي قدمتها المنظمات المجتمعية والمنظمات غير الربحية خلال هذه الجائحة، الأمر الذي أقنعني أكثر بمدى أهمية الدعم الذي تقدمه مؤسسة الآغا خان للمجتمع المدني في آسيا وإفريقيا على المدى الطويل.

akf-kenya-kiunga-youth-bunge.jpg

مبادرة كيونجا بانجي للشباب، وهي إحدى المنظمات المجتمعية الكينية التي عملت وتعاونت مع مؤسسة الآغا خان خلال مشروع ممول من المفوضية الأوروبية، (الصورة التُقطت قبل الجائحة).
Copyright: 
AKDN / Christopher Wilton-Steer

تعمل مؤسسة الآغا خان سنوياً مع أكثر من 60 ألف منظمة مجتمعية من جميع الأنواع، بدءاً من مجموعات الادخار النسائية إلى مجموعات المزارعين وصولاً للمنظمات غير الحكومية المحلية. وبوجود مثل هذه المنظمات القوية وما تمتلكه من رأس المال الاجتماعي الكبير، إلى جانب الخبرة الطويلة من العمل معاً، تمكّنت تلك المجموعات من النجاح خلال العام الماضي في الحفاظ على أُسرهم ومجتمعاتهم آمنة وصحّية، فضلاً عن أنهم كانوا أكثر استعداداً منّا هنا في لندن وأكثر فاعلية بكثير.

تعمل تلك المنظمات في مجتمعاتها منذ سنوات وغالباً منذ عقود، وقد تم إعداد وتجهيز العديد منها من قبل مؤسسة الآغا خان ووكالة الآغا خان للسكن للاستجابة لحالات الطوارئ المحلية والكوارث الطبيعية. بمجرد تمكُّن زملائنا في مستشفيات الآغا خان وجامعة الآغا خان من الوصول للإجراءات الرسمية الصحيحة، تمكَّنا من العمل والتعاون مع قيادة تلك المنظمات المجتمعية لزيادة مستوى الوعي حول الفيروس في المناطق النائية من وسط وجنوب آسيا وشرق إفريقيا وسورية ومصر.

وباعتبارهم يشكّلون جزءاً من تلك المجتمعات منذ سنوات عديدة ويتمتعون بالثقة على نطاق واسع، فقد ساهمت تلك المجموعات في دحض الأخبار المزيفة ونظريات المؤامرة التي ازدهرت في أماكن أخرى، والتي تسببت بنشر حالةٍ من الذعر. بالإضافة إلى أنهم قاموا في بعض الأماكن بإنقاذ حياة الكثير من الأشخاص من خلال مكافحة المعلومات المضللة ومواجهة الصفات السيئة التي تم إطلاقها على الأقليات المهمّشة.

akah-tajikistan-delivery_of_ppe-r.jpg

تبرعت وكالة الآغا خان للسكن بمعدات الحماية الشخصية وإمدادات الطوارئ للوكالات الحكومية المحلية في طاجيكستان، فضلاً عن تقديم المساعدات الغذائية إلى آلاف من الأُسر الضعيفة.
Copyright: 
AKAH Tajikistan

يُذكر أنه من خلال العمل مع أعضاء آخرين في شبكة الآغا خان للتنمية، ومن ضمنهم مجموعة الأمة الإعلامية وبنك حبيب المحدود، وصلت تلك الجهود إلى أكثر من 9 ملايين شخص مع تقديم معلومات تتعلق بأهمية الاهتمام بالصحة والنظافة، ما ساعدهم في الحفاظ على سلامتهم وسلامة عائلاتهم. بالإضافة إلى أنهم ساعدوا في ربط حوالي 7 ملايين شخص بشبكات الأمان الاجتماعي للحصول على المساعدات النقدية أو المواد الغذائية، فضلاً عن تعاونهم مع المعلمين والمدارس في 10 دول لمساعدة أكثر من 135 ألف طفل على مواصلة التعلم خلال فترة توقّف الفصول الدراسية. وكان رائع ما تم تحقيقه في هذا المجال، ورغم أن قصص ما قاموا به من نشاطات غير معروفة جيداً، إلا أن الآلاف من المنظمات غير الربحية الأخرى زادت من نشاطها خلال هذه الجائحة لتقديم الإغاثة والمساعدات الحيوية، وهذه هي القوة والإمكانات الدائمة التي يتحلى بها المجتمع المدني.

uca-kyrgyz-republic-img_4624-bis.jpg

يتحدث عبد الصبور فريد، مدرس بجامعة آسيا الوسطى، إلى طلابه حول إرشادات الصحة العامة التي من شأنها منع انتشار جائحة كوفيد-19.
Copyright: 
AKDN / Naweed Nadrat

لدينا على المستوى العالمي أيضاً أمثلة قوية عن التعاون والتضامن الدوليين، حيث كانت السرعة التي تمكّن خلالها المجتمع العلمي وصناعة الأدوية ومجموعة من الحكومات من خلال التفاعل والتعاون أمراً مذهلاً. بعد مضيّ أسابيع من التعرّف على ماهية الفيروس التاجي الجديد، تمكّن العلماء المتعاونون في جميع أنحاء العالم من فك شفرة الجينوم الخاص به وتحديد المتغيّر الجديد بدقة.

تمكّن علماء الفيروسات وعلماء الأوبئة والأطباء وعلماء السلوك ومطورو الأدوية من تطوير بروتوكولات ومجموعات الاختبار بسرعة، فضلاً عن تطوير قدرات التشخيص والتنبؤات للمساعدة في توجيه صانعي السياسات بكيفية التصرّف خلال الأيام الأولى من المرض. كما قامت الحكومات بتنشيط أدوات السياسة (للتغلب على المشاكل وتحقيق الأهداف) التي تم اختبارها في مواقف أخرى، مثل الالتزام بتأمين متطلبات السوق المتقدمة وتقديم المساعدات المالية المباشرة لمختبرات الجامعات وشركات الأدوية، ما مكّن في غضون أشهر من توفّر أكثر من عشرة لقاحات قيد التطوير. وبعد أقل من عام، أثبتت العديد من اللقاحات بالفعل فعاليتها وأمانها، وهو أسرع لقاح يتم تطويره في التاريخ، الأمر الذي كان يستغرق سنوات سابقاً.

aku-afghanistan-fmic-covid-new_bis-r.jpg

ساهم العلماء والأطباء في مستشفيات جامعة الآغا خان في جميع أنحاء العالم في مجال الأبحاث العالمية، إضافةً إلى تقديم الدعم للحكومات والمجتمعات بمعدات الوقاية الشخصية وإجراء التدريبات الحديثة للعاملين الصحيين.
Copyright: 
AKDN / David Marshall Fox

يعتبر هذا العمل الفذ، والذي جرى تنفيذه نتيجةً للتعاون في المجالات العلمية والصناعية والسياسية، أمراً لا مثيل له. ولعل حقيقة حدوث ذلك بسرعةٍ وسلاسةٍ منعت الكثيرين منّا من تحديد النطاق الكامل لهذا الإنجاز التاريخي، والذي لم يأت من فراغ. بالإضافة إلى أنه يعتمد على دعم طويل الأجل للتأهب لمواجهة الأوبئة من خلال منظمات مثل "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي"، الذي أُسس بالاشتراك بين حكومتي النرويج والهند ومؤسسة غيتس و"صندوق ويلْكَم" والمنتدى الاقتصادي العالمي.

توضح كافة تلك الأمثلة مدى قوة العمل المجتمعي والتعاون الدولي، وهذا يذكّرنا بمدى أهمية العمل الجاد لبناء وتعزيز التماسك الاجتماعي، ولكن لا يمكن تحقيق هذا الأمر بين عشية وضحاها. إنه يتطلب تقديم الرعاية للمرضى على المدى الطويل وعلى مر السنين وعبر الأجيال. لهذا السبب تقدّم مؤسسة الآغا خان الدعم للمجتمع المدني لأنه يُشكّل حجر الزاوية في عملها منذ نصف قرن، وستواصل تقديم الدعم له.

كما شهد العالم خلال العقد الماضي في أوقات الضغوط الاقتصادية وما سيشهده بشكل أقوى في أعقاب هذه الجائحة، فإنه سيكون من المغري فصل الأعمال التي تقوم بها البرامج الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية والمدارس والمستشفيات والمنظمات غير الهادفة للربح، والتي تقدم الدعم الكبير لمجتمعاتنا. يُذكر أنه من بين الأمور التي علّمتنا إياها الجائحة، أنه رغم تآكل تلك الأسس، الأمر الذي يبدو مناسباً من الناحية الاقتصادية، إلا أن ما تتمتع به مجتمعاتنا من القوة والمرونة على المدى الطويل يعتمد على وجود شبكات الأمان الاجتماعي ومحركات التضامن، فضلاً عن المؤسسات التي تشجّع وتهتم بالتعددية.

يعتبر هذا درساً يجب أن نستفيد منه جميعاً أثناء صياغة أفكارنا حول المستقبل، فضلاً عمّا يعنيه إعادة البناء والتأهيل بشكل أفضل وفقاً لهذه الجائحة.

اقتُبس هذا النص من مقال نُشر على موقع مؤسسة الآغا خان في المملكة المتحدة.